الخبرة مهما تراكمت لدى المربيات، فإنها تحتاج لإعادة توليد وتجديد لكي تناسب أطفال ينمون بشكل مطرد في زمن متسارع التطور والتنوع والهوس. ضمن هذا التوجه، رأت مربيات روضة راهبات مار يوسف حاجتهن للتطور ومواكبة تطورات التربية وتوظيف منهجيات البحث والاستقصاء والفن، ضمن صيغة العمل التربوي المصمم على شكل مشروع تعليمي "يدخل الطلاب فيه"بهمة العمال، ومنهجية العلماء، وروح الفنانين.
نظمت الورشة على مدار يومين، بحضور 9 مربيات ومشرفة الروضة، ضمن برنامج التكون المهني لمربيات الطفولة في مؤسسة عبد المحسن القطان بإشراف الباحثين مالك الريماوي وفيفيان طنوس، وقد تمحورت حول منهجية عباءة الخبير كسياق للتعليم، ومنهجية للتعلم تجمع فاعلية الخيال وصيغة العمل في بنية تكاملية، وتتضافر فيها المعرفة والفهم مع منهجيات التفكير والبحث وقيم العيش.
بدأت الورشة من الرسم الدال، من مريعين على ورقة كبيرة، ومن ممكنات الخيال التي توالدت منها الدلالات، لترى بيتاً وحديقة، لتقوم المربيات بخلق سياق يمهد لقصة (قصة بيت وحديقة مهجورين) يقوم أطفال الحي بتحويلها إلى حديقة تخصهم، حديقة قاموا بتنظيفها لأجل اللعب فيها، تزداد القصة توتراً بظهور آثار أقدام كبيرة، الآثار تدعم ببوابة ويافطة مكتوب عليها كلمة "خاص".
يحدث الحوار ومعه يحدث التعلم، وينتقل المشروع من سياق لتعلم المنطق الرياضي ودلالات اللغة ومهارات الرسم والتصميم، إلى المنطق الحياتي ومناقشة متضادات الحياة مثل "مهجور ومسكون، خاص وعام، ملك شخصي أو ملكية جماعية، نحن والساخرون"، وبخاصة عندما يكون الآخرون مختلفين عنا ونحن عنهم.
تنتقل القصة من قصة "بيت وحديقة"إلى كيف نحاور الآخر ونفهمه. ويحدث التواصل عبر "تقنيات وأعراف درامية"ويتكشف سكان البيت بكونهم من عالم العمالقة، الأم العملاقة وابنها الشقي، ويتم تأطير المربيات بوصفهن "أطفال الحي"كخبراء في مساعدة الأم في تربية ابنها العملاق الصغير، الذي لا يجيد الاعتناء بنفسه، ولا يتعامل مع الآخرين ولا يجيد المحافظة على أشيائه.
من هم في دور المتعلمين يتحولون إلى فاعلين لتعلمهم، من خلال إعداد برنامج لتعليم العملاق الصغير، برنامج يتم تطبيقه على دمية، لتصويره وإرساله إلى أم العملاق.
لقد قامت المربيات بتعليم الدمية عبر مشاهد مسرحية، كيف تلبس وتمشط شعرها وتأكل وترتب أغراضها وغرفتها وتحافظ عليهما ... تم توثيق ذلك على شريط فيلمي ممثل بشريط ورقي من خلال رسم كل الأفكار والأفعال عليه بشكل لوحات؛ أي تم ترميزها أيقونياً، ما يعني توظيف كل أشكال التمثيل المعرفي: الممارسة بالجسد، التصور الخيالي والأيقوني، الكتابة والكلام الرمزيان، ما يعني أيضاً أن المتعلمين قد حققوا التعلم وجعلوه مرئياً، صنعوا تعلماً لأنفسهم وخلقوا له ذاكرة.
انتهت الورشة بتحليل المشروع من حيث ممكنات التعلم التي يحتويها، ومن حيث حاجة المجتمع لهذا الشكل الذي لا يقدم المعرفة بمعزل عن الفهم والسلوك، لا يفصل بين العقل والخيال والشعور. في هذا الشكل يتعلم الأطفال الحواس ليس بوصفها أدوات للحس المجرد، بل بوصفها طريقنا في معرفة الآخرين وفهمهم والعيش معهم.
إن كل هذا الشكل من التعلم يبنى بشكل مقصود ليحدث كعلاقة بين أنا كإنسان، يعيش مع آخرين في مجتمع، تعلم يجمع بين قيم الكينونة وقيم العيش وفن التعليم والتكون مدى الحياة. كل هذا كان مضمون ورشة في التعليم والتكون المهني، تكون وتعليم سيكون حصيلة شراكة بين الروضة وبرنامج البحث والتطوير التربوي في مؤسسة عبد المحسن القطان، حيث سيعمل على تطبيقه في الروضة كمنهج تعليم وتمارسه المربيات كطريقة في تطوير الخبرة ومراكمتها عبر لقاءات دورية للتخطيط والتأمل والكتابة والبحث، ما يعني تعليماً متنامياً ضمن سياقات فاعلة من قبل مربيات يحققن ذواتهن ويطورن أنفسهن مهنياً بشكل ذاتي ومستمر.