على مدار أسبوعٍ كامل، اعتادت المربيّات الخمس المشاركات في برنامج التبادل أن يدخلن مدرسة "وودرو"صباحاً، ويضعن ملصقاتٍ صغيرة كُتب عليها: "زائرات"، لم يعد لها حاجة بعد اليوم الأوّل لأنّهن سرعان ما تحوّلن من زائرات مرحّبٍ بهنّ إلى أفرادٍ من عائلة "وودرو"الكبيرة؛ ابتداء من اللّحظة التي فوجئن فيها بصور لهنّ، رسمها طلبة المدرسة بأصابعهم الصغيرة على لوحة الإعلانات الرئيسة، ألصقت على علم فلسطين تعلوها عبارة: "مدرسة وودرو الابتدائية وحضانتها ترحبان بأصدقائهما من مؤسّسة القطّان".
تبادل
ينظّم برنامج البحث والتطوير التربويّ/مؤسسة عبد المحسن القطّان التبادل في مشروع التكوّن المهني لمرحلة الطفولة المبكّرة، سنوياً، على ثلاث مراحل؛ تبدأ الأولى بزيارة المربيّات الفلسطينيّات إلى مدرسة "وودرو"البريطانيّة -التي تطبّق نهج عباءة الخبير في صفوف الروضة والمرحلة الأساسيّة- للانخراط في تطبيق هذا النهج عبر تنفيذ حصص مخطط لها مسبقاً؛ تحقق متطلّبات المنهاج وتضعه في السياق الاجتماعيّ. وفي المرحلة الثانية؛ تبدأ عمليّة التخطيط المشترك للحصص بين المشاركات والمشاركين في هذا البرنامج من فلسطين وبريطانيا عن بُعد، تليها المرحلة الثالثة؛ حيث يُستضاف المعلّمون البريطانيون في الرياض الفلسطينيّة، بهدف مراجعة خطط الدروس وتنفيذها مع الأطفال.
وانطلقَ برنامج التبادل هذا العام في 6/2، بإشراف مدير مسار اللغات والعلوم الاجتماعيّة في البرنامج مالك الريماوي، والباحثة فيفيان طنّوس، وبمشاركة خمسِ مربيّاتٍ.
المدرسة من الداخل
تنظّم المدرسة الأساسيّة البريطانيّة اجتماعاً يوميّاً لصفّين أو أكثر، يقام في قاعة الرياضة، تقدّم فيه الجوقة الطلابية أناشيد، أو تُعرض فيه مسرحيّات، لكنّه تحوّل في هذا الأسبوع إلى ساحةٍ تقدّم مشاهد من الثقافة الفلسطينيّة، كعرض للدبكة على ألحان الأغاني الشعبيّة، يؤديها طلبة وودرو مع "الصديقات من فلسطين"كما يسمّيهنّ مدير المدرسة ريتشارد كيران، إضافةً إلى عرضٍ لصور الأطفال في الرياض الفلسطينيّة، قدّمته المربيّات، موضحاتٍ نشاطاتٍ يقمن بها مع أطفالهنّ، كقطف الزيتون في موسمه مثلاً.
ولن تجد في "وودرو"مقاعد منتظمة مستطيلة للطلبة، ولا مكتب معلّم، ولا حتى سبّورة، فيجلس معلّم الصف الرابع سيباستيان بيني ومساعدته إلسا ويليامز على الأرض وطلبته في دائرةٍ حوله، بينما تتلوّن جدران الصفّ بكلّ المشاريع التي يعملون عليها، ومقابله تجلس المربيّة فاتن خوري وزميلتها منتهى الحاج برفقة المدير الريماوي، يراقبون مجريات عباءة الخبير حول "العملاق الأنانيّ"، ويشاركون فيها أحياناً، محلّلين إيّاها تحضيراً لجلسة التأمّل والتخطيط في نهاية اليوم الدراسيّ.
في سياقٍ متّصل؛ قالت خوري إنّ أهميّة التخطيط تأكّدت لديها من خلال هذه التجربة، مضيفةً: "يخطّط المعلّمون قبل التطبيق، وبعده، وهم في حالة تقييم مستمرّ لعملهم، ما يساعد على التطوّر، وعلى خلق التوافق والاحترام بينهم".
كما قضت المربيّات الأخريات فترة التبادل في الصفّ الأوّل، مع المعلّمتين ليزا هينتون وجاسمن لويس، حيث خاضت المربيات ديما الصايغ وهيا الأعرج وهبة القاق وبرفقتهنّ الباحثة طنّوس، تجربةً حيّة مع الأطفال في عباءة حول حريق لندن.
وصفت الصايغ غرفة الصفّ بأنّها خليّة نحل؛ موضحةً: "الأطفال من لحظة دخولهم للحظة خروجهم من الصفّ بشتغلوا، وكلّ واحد فيهم ببدع بطريقته الخاصّة".
ووافقتها القاق بقولها إنّ الأطفال كانوا مندفعين للانخراط في العمل، ما جعل مهمّة المضيّ قدماً في العباءة أمراً أسهل على المعلّمة؛ مضيفةً: "كل المساقات إلي أخدتها قبل هيك، ومشواري في مجال الطفولة المبكرة كوم، وهذا التبادل كوم ثاني"، موضحةً أنّه شكّل نقلةً نوعيّة مهنيّة وشخصيّة.
من جانبها، قالت الأعرج إنّها تشعر بألفةٍ كبيرة في "وودرو"، مؤكدةً: "لاقينا ترحيب، حسينا إنه إحنا في مدرستنا، وبين ناسنا، ما حسينا ولا لحظة إنّا ضيوف، منخرطين معهم بالشغل وبنتنقل بين الصفوف بأريحية".
سفر
لم يقتصر برنامج التبادل هذا العام على التجربة في الصفوف المدرسيّة، بل تعرّفت فيه المشاركات على مدنٍ بريطانيّة مختلفة، وبعض مما تحويه من أماكن أثريّة وثقافة ومتاحف ومكتبات، وحظينَ بتجارب جديدة على الصعيد الشخصيّ، فمنهنّ من يغادرن فلسطين للمرّة الأولى.
قالت الحاج إنّ خوفاً صغيراً كان يتملّكها حول هذه الرحلة، بفعل المسافة الطويلة على متن الطائرة، التي تركبها للمرّة الأولى في حياتها؛ مضيفةً: "كان فيه شاشة صغيرة أمامي، أتطلّع عليها أراقب وين صرنا، فوق أي بلاد؟ وبعدين أتأكد من الشبّاك"، ما دفعها للتفكير بسؤال: "كيف سيرى أطفالي الأمر حين يركبون الطائرة؟".
في اليوم الأخير؛ سأل الأطفالُ كم ستستغرق الرحلة من مدرستهم إلى فلسطين، طال الشرحُ قليلاً ما بين التنقّل لثلاث ساعات من مقاطعة ورشستر إلى لندن، ثمّ رحلة الطائرة إلى عمّان لما يقرب ستّ ساعاتٍ، وما لا يسهل إحصاؤه من الساعات على جسر الملك حسين الواصل بين الأردن وفلسطين.
ومن المؤكّد أن أثر التجربة طويلٌ بطول المسافة بين فلسطين وبريطانيا، ودافئ بدفء الأحضان التي تبادلتها المربيات مع الأطفال في الوداع، ولتعميق ذلك؛ اعتادت المشاركاتُ على كتابة تأمّلات يوميّة خلال التبادل ليصبحَ لديهنّ مخزونٌ من الذكريات والأفكار المتولّدة الجديدة.