بيان لجنة تحكيم مسابقة الكاتب الشاب للعام 2013 في حقل الرواية
نظرت لجنة تحكيم مسابقة الكاتب الشاب للعام 2013 في حقل الرواية، التي تنظمها مؤسسة عبد المحسن القطَّان ضمن برنامجها للثقافة والفنون، في أربع وعشرين مخطوطة روائية تقدم بها مشاركون فلسطينيون شباب تتراوح أعمارُهم ما بين 22-35 عاماً. وقد ضمَّت اللجنة في عضويتها كلاً من الكاتبة الروائية حزامة حبايب (فلسطين - الإمارات العربية)، والناقد والأكاديمي أ. د. شكري عزيز ماضي (الأردن)، والكاتب فاضل العزاوي (العراق - برلين)، والكاتب الروائي يوسف القعيد (مصر).
وفي الوقت الذي يظهر عدد المشاركات، قياساً إلى الدورات الماضية من المسابقة، تنامياً ملحوظاً على الإقبال على هذا الجنس الأدبي (الرواية)، من قبل جيل جديد من الكتاب الشباب، أو من يحاولون الانخراط في عالم الكتابة الأدبية، وبخاصة الكتابة الروائية التي تحتاج إلى مرانٍ وبناء وأفق ومقدرة تخيلية، الأمر الذي يستحق جزءاً كبيراً من الثناء عليه، فإن كثيراً من المشاركات، للأسف، كشفت عن مواطن خلل، بعضها بنيوي، وبعضها ثانوي، وكانت الأعمال التي سلِمت بالكاد من ملاحظات قاسية من أعضاء اللجنة، أو على الأقل من بعضهم، بسبب عيب هنا أو هناك، قليلةً جداً، فضلاً عن أن كل الروايات مكتوبة بطريقة تقليدية، تخلو من أي محاولة للتجديد أو التجريب. ولكن هذا لا يعني غياب الأعمال الجيدة على الإطلاق، بل استوقف اللجنةَ العديدُ من الأعمال التي تنطوي على قوة كبيرة في العديد من عناصرها، لكنها لا تزال بحاجة إلى تطوير وتحرير، وربما إعادة كتابة في بعض أجزائها قبل أن يتم تقديمها للقارئ العربي.
بشكل عام، رأت اللجنة أن على الكتّاب الشباب إيلاء أهمية أكبر لسلامة لغتهم الأدبية قبل قيامهم بتسليم مشاركاتهم، لأن الكثير من الأعمال كشف عن ركاكة في الكتابة، وعن حجم أخطاء لغوية ونحوية وتراكيبية لا يمكن التسامح معه، علماً أن الشرط الأول لأي كتابة أدبية ناجحة في كل لغات العالم هو التمكن من اللغة بحدها المقبول على الأقل. كما قدم الكثير من الأعمال كتابة إنشائية وتقريرية وكليشيهاتية، وشابها جهل كبير في الموضوعات التي تقاربها أعمالهم، كاشفاً بعضها عن سطحية مفرطة في الطرح واللغة والفكر والمعنى، وغياب فاضح للبعد الثقافي ولثقافة القراءة النوعية أو التراكمية، ولأي بحث ضروري له علاقة بموضوعاتهم وعوالمهم الروائية وتدعيمها، وأحياناً تزامن هذا مع غياب الموهبة أيضاً، ما أنتج تجارب عبثية لا يمكن أن تؤدي إلى شيء حقيقي.
كما كشف كثير من الأعمال عن كثرة الحوارات وعدم التناغم في تداخلها مع السرد، حيث أن على السرد أن يؤدي إلى الحوار، والحوار يوصل إلى السرد مرة أخرى، وذلك حسب المنطق الموجود داخل النص الروائي نفسه، وليس كما يجري في الحياة؛ بمعنى أن ثمة ارتباكاً في جدل الحوار والسرد.
كما بدا للجنة أن الكثير من المخطوطات الروائية المقدمة ظل منشغلاً بموضوعات الحب، ولكن لم يصل اللجنة من هذا الكم الكبير من قصص الحب الكثير، إلا حب يبدو أحياناً كثيرة منفصلاً عن سياقه ومحيطه وأرضه ووطنه.
وبناءً على تقييمات أعضاء اللجنة الأربعة، وما تضمنته تقاريرهم من ملاحظات وخلاصات عامة، وبخاصة بشأن الأعمال المشاركة، وما تبع ذلك من نقاش وتداول ما بين أعضاء اللجنة مجتمعين، جاءت توصيات لجنة التحكيم كالتالي:
حجب جائزة الكاتب الشاب للعام 2013 في حقل الرواية
حيث غاب من بين المخطوطات المقدمة للمسابقة ذلك العمل الأدبي الذي يتفوق على النصوص الأخرى بلغته وبنائه والعالم الذي يتعامل معه، ما يمكنه من فرض حضوره بقوة على أعضاء اللجنة، وانتزاع إقرار أعضائها كافة بأحقيته بالجائزة الأولى التي من المفترض أن تقدم عملاً يبقي سقف هذه المسابقة عالياً، ويحافظ على قيمتها المعنوية. وترجو اللجنة من الكتّاب الشباب، الذين هم لا يزالون في مقتبل أعمارهم، أن لا يروا في هذا القرار عاملاً مثبطاً لهم، بل دافع يحفزهم على بذل مزيد من العمل والجهد والبحث لإنجاز أعمال أدبية أكثر نضوجاً ونجاحاً في المستقبل.
وفي الوقت الذي رأت فيه اللجنة حجب جائزة المسابقة، فإنها أوصت بتقديم منحتين قيمة كل منهما ألفا دولار للعملين التاليين اللذين حظيا بإشادة اللجنة بهدف تطويرهما وهما:
"عندما يصبح الصمت صاخباً"
لـ منى نعمة الله نابلسي (القدس)
حيث تنمُّ هذه الرواية عن امتلاك كاتبها موهبة جيدة في القص والروي ونسج الأحداث وربط بعضها ببعض، كما أنها تعالج قضية اجتماعية راهنة بأسلوب جديد، ومن خلال رؤية تدعو إلى التأمل، فهي تتناول قضية الذكورة والأنوثة؛ لا بصورة مجردة، وإنما من خلال سياق اجتماعي تاريخي، وذلك بلغة سوية وجزلة ورصينة ذات طاقة إيحائية عالية قادرة على التعبير عن أعمق المشاعر والحالات النفسية المعقدة التي تنتاب المرأة في مجتمع ذكوري.
إنها رواية جيدة، "آسرة"بطريقة ما، وجاذبة، بمعنى أنها تحقق واحدة من أهم غايات السرد وأولوياته؛ أي أنها تنجح في جذب القارئ عبر الصفحات. اللغة جميلة، عميقة في أجزاء، وسطحية وإنشائية –للأسف- في أجزاء أخرى، وهي لغة حين تتحرر صاحبتها من بعض أشكال "الفكر الرقابي"فإنها تحلّق.
وترشح اللجنة الرواية للنشر، ولكن شريطة أن تعيد الكاتبة النظر في بعض أجزائها، آخذة بعين الاعتبار ملاحظات لجنة التحكيم، مع الخروج من قالب السرد "الفيسبوكي"، وتجريد الرواية من الجمل والعبارات التقريرية أو الإنشائية، وإخضاعها إلى مراجعة تحريرية، مع تغيير العنوان.
أبناء دوثان
لـ محمد محمود العكشية (غزة)
رواية تاريخية مكتوبة ببراعة، تدل على موهبة ممتازة في السرد ومعرفة بتاريخ الأماكن والأقوام التي استوطنت فلسطين، وهي تنجح في نقل القارئ إلى حقبة موغلة في القدم، عبر لغة جميلة وقوية ومشحونة عاطفياً ووصفياً، وتبرز قدرة الكاتب في رسم شخصياته والصراعات الدائرة هناك، وعرضها بطريقة مشوقة، فضلاً عن لغته الممتازة التي تكاد تخلو من الأخطاء، حيث يعكس هذا العمل نضجاً في الكتابة، وقدراً ملحوظاً في الاحترافية. ولكن اللجنة توقفت عند عدد من الإشكاليات التي انطوت عليها، ولاسيما في ما يخص الجزء الأخير والنهاية، وبعض العبارات الشعاراتية التي قد تحمل نفساً عنصرياً.
وترشح اللجنة هذا العمل للنشر، ولكن مع أخذ كافة ملاحظات اللجنة الواردة في تقييمات أعضائها بعين الاعتبار.
كما أوصت اللجنة بأن تقوم مؤسسة عبد المحسن القطَّان بتنظيم ورشة عمل في السرد الروائي، تهدف إلى تمكين الكتّاب الشباب من صقل أدواتهم الفنية.
في النهاية، فإن اللجنة تود شكر المشاركين في هذه المسابقة كافة، مشيدةً بما بذلوه من جهد، وآملة أن تدفعهم هذه التجربة للمضي قدماً في تطوير أدواتهم وإغناء ثقافتهم وتجربتهم الأدبية والإنسانية. وأخيراً، تأمل اللجنة أن تكون قد وُفقت فيما خرجت به من توصيات، متمنية لجميع المتسابقين والمتسابقات المزيد من التقدم والعطاء في المستقبل.
أعضاء لجنة التحكيم
آذار 2014